فصل: مسألة باع بدينار قمحا فأتى بائعه فوجد عنده ثمرا فاشتراه بدينار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة باع سلعة على أن يستأمر ثم بدا له من قبل أن يستأمر:

وقال في رجل باع سلعة على أن يستأمر، ثم بدا له من قبل أن يستأمر، أترى له أن يرد البيع؟ قال: ذلك له؛ لأن المشتري قد قال له: من أردت أن تستأمر فاستأمره؛ قال: لم أرد أن أستأمر أحدا، إلا أني أردت أن أنظر في ذلك؛ قال مالك: ذلك له، ويرد البيع إن أحب.
قال محمد بن رشد: هذا ما لا اختلاف فيه أعلمه، أن المشترط المشورة من المتبايعين أن يتركها، وأن يخالف رأي المستشار، ويرد أو يجيز؛ وأن الحق في ذلك لمشترطها من المتبايعين دون صاحبه، إلا ما حكى أبو إسحاق التونسي من أن ظاهر ما في كتاب محمد بن المواز أن المشورة كالخيار إذا سبق، فأشار بشيء لزم، وهو بعيد؛ وإنما اختلاف في مشترط الخيار لغيره من المتبايعين على أربعة أقوال، وقد فرغنا من تحصيلها في المقدمات.

.مسألة قال لرجل له حائط يبيعه: انظر ما أعطيت بثمر حائطك فلك زيادة دينار:

ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات:
وسئل مالك عمن قال لرجل له حائط يبيعه: انظر ما أعطيت بثمر حائطك، فلك زيادة دينار، فلقيه صاحب الحائط، فقال: قد أعطيت مائة دينار، قال مالك: زيادة دينار، قال: فنقده وقبض الحائط، ثم سأل الذي زعم أنه أعطاه مائة دينار، فقال: ما أعطيته به مائة دينار، وما أعطيت إلا تسعين، قال مالك: البيع لازم لهما، ولو شاء استثبت لنفسه قبل أن يأخذ فيه بصدقه في أول، ثم يكذبه في آخر؛ قال: ما أرى البيع إلا لازما له؛ قال: وكذلك الجارية يبيعها صاحبها في السوق، ثم يأتيه الرجل فيقول له: قد أعطيت فيها مائة دينار، فيصدقه ويربحه على ما قال، فيكون البيع لازما للمشتري؛ ولكن إن كان ثم شهود حضور في سوم الحائط، فشهدوا بخلاف ما قال قد أعطى به فلان، فإني أرى أن يرد هذا البيع إن كان على مثل هذا الوجه؛ فقال: ولا أرى على صاحب الحائط يمينا، ولا على صاحب الجارية إذا ثبت البيع، ورضي بقوله.
قال محمد بن رشد: إنما رأى البيع لازما للمبتاع، ولم ير له على البائع يمينا؛ لأنه قد صدقه أولا فيما زعم أنه أعطى بحائطه، فليس له أن يرجع إلى تكذيبه؛ وأما إذا كان ثم شهود حضور فشهدوا بخلاف ما قال: إنه أعطى به. فقوله: فإني أرى أن يرد البيع، معناه إن شاء المبتاع، وكان الحائط لم يفت؛ وأما إن كان الحائط أو الجارية قد فاتا بما يفوت به البيع الفاسد، فيكون على المبتاع القيمة يوم البيع؛ إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن الذي وقع الابتياع به، فلا يزاد البائع على ذلك، أو يكون أقل مما شهدت البينة أنه أعطى به، والربح الذي ربحه، فلا ينقص المبتاع من ذلك شيء على حكم الكذب في بيع المرابحة، وبالله التوفيق.

.مسألة يكون له على الرجل عشرة دراهم فيمر عليه وقد ابتاع قمحا:

ومن كتاب أوله مساجد القبائل:
وسئل مالك عن الرجل يكون له على الرجل عشرة دراهم، فيمر بالرجل الذي له عليه عشرة دراهم قد ابتاع قمحا، فيسأله أن يوليه إياه بالدراهم التي له عليه قمحا مما ابتاع ليستوفيه مكانه، وذلك قبل أن يستوفيه الذي ابتاعه؛ قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: روي عن سحنون أنه أنكر هذا ولم يجزه، ووجه ما ذهب إليه أن للمبتاع القمح اشتراه بالنقد فنقد، والمشتري لم ينقد، وإنما أخذه بما كان له من الدين، والدين حكمه حكم القرض؛ فدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى إذ لم ينقد المولي كما نقد المولى؛ ووجه ما ذهب إليه مالك أن المولي لما سقط عنه بالتولية ما في ذمته، فكأنه قد قبضه من نفسه وانتقده، وقول سحنون أظهر؛ وقد أقام بعض الناس من لفظ وقع في باب تعدي الوكيل من السلم الثاني من المدونة مثل قول سحنون، وذلك قوله فيه، ولأنه إذا أسلفك من عنده فتعدى، فأخذته فدفعت إليه الثمن، كان تولية؛ لأنه لم يلزمه شيء تعدى له فيه، ولا صرف فيه ذهبك؛ وليس ذلك بصحيح؛ لأنه إنما تكلم في المدونة على طعام مسلم فيه، ولا اختلاف في أن من له على رجل دنانير أو دراهم، لا يجوز له أن يستوليه بذلك طعاما مسلما فيه، ولا غير طعام أيضا؛ لأنه يدخله الدين بالدين، وبيع الطعام قبل أن يستوفى.

.مسألة بيع البراءة في الدواب:

وقال مالك: لا ينفع بيع البراءة في الدواب وإن تبرءوا في ميراث ولا غيره، وإن وجد بها عيبا ردها؛ ولا براءة عندنا إلا في الرقيق، وضعف البراءة في الرقيق؛ قال ابن القاسم: وإن البراءة جائزة على مثل قضية عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قال محمد بن رشد: قول مالك: إن البراءة لا تنفع في الدواب، هو الذي رجع إليه، خلاف قوله في موطئه: إن البراءة جائزة في الرقيق والحيوان؛ وأما العروض والثياب، فلم يختلف قوله: إنه لا براءة فيها؛ وقد أجاز البراءة فيها جماعة من السلف، وهو قول ابن وهب من أصحاب مالك، واختيار ابن حبيب، وقد مضى في رسم سلف، من سماع ابن القاسم، من كتاب العيوب، وجه الفرق عنده بين الرقيق والثياب في ذلك، وقد حكى ابن القاسم، عن مالك في المدونة أنه رجع عن إجازة البراءة في الرقيق، قيل في كل وجه من بيع الناس بعضهم من بعض، ومن بيع المواريث، ومن بيع السلطان؛ وقيل في بيع الناس بعضهم من بعض، وفي بيع المواريث لا في بيع السلطان؛ وقيل في بيع الناس بعضهم من بعض، لا في بيع المواريث، ولا في بيع السلطان، كل ذلك قد تقول على ما في المدونة، وأخذ ابن القاسم بقول مالك الأول في إجازة البراءة في الرقيق في كل وجه من بيع الناس بعضهم من بعض إذا اشترطوا البراءة، ومن بيع المواريث إذا أخبروا أنه ميراث، وإن لم يشترطوا البراءة ومن بيع السلطان، هذا نص قوله في المدونة، ومعنى قوله هاهنا، وأرى البراءة جائزة على مثل قضية عثمان؛ لأنه إنما أراد أنها جائزة في الرقيق خاصة في جميع الوجوه.

.مسألة يبتاع من الرجل بعشرين درهما فيعطيه إياها لا يعرف لها وزنا:

وسئل مالك عن الرجل يبتاع من الرجل بعشرين درهما، فيعطيه إياها لا يعرف لها وزنا، والدراهم تختلف، فرب درهم عريض يكون عريضا خفيفا في الوزن، ورب درهم صغير يكون صغيرا أثقل في الوزن، فيشتري بها على عددها بما كان فيها من الوزن؛ فقال: ما هو بحسن، يبيع الدراهم جزافا، كأنه رآه من وجه الجزاف؛ قال ابن القاسم: قال الله جل ذكره: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الإسراء: 35]، فلا ينبغي لأحد أن يترك الوزن، وذلك رأيي؛ وسمعت مالكا غير مرة يكره ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه لا يجوز له أن يقتضي من عشرين درهما مجموعة موزونة عشرين درهما عددا مجموعة؛ لأنه غرر؛ إذ لا يدري هل أخذ أقل من حقه أو أكثر، إذ قد يكون الدرهم العريض خفيفا، والدرهم الصغير ثقيلا، ولو اقتضى منها عشرين درهما عددا مجموعة لا تجوز أعيانها، لا يشك أنها أكثر في الوزن من التي له أو أقل، لجاز ذلك؛ لأنه معروف من أحدهما إلى صاحبه؛ ولو اقتضى منه عشرين درهما عددا تجوز بأعيانها، لجاز إن كانت في الوزن أكثر من التي له، ولم يجز إن كانت في الوزن أقل من التي له، أنها إن كانت أكثر في الوزن من التي له، فقد أخذ أفضل من حقه في الوزن، وفي عيون الدراهم، وإن كانت أقل في الوزن، كان إنما ترك فضل الوزن لفضل عيون الدراهم فلم يجز، وهذا كله قائم من قوله في المدونة: إن القائمة تقتضى من المجموعة؛ لأنها أكثر في الوزن وأفضل في العين، ولا يقتضى منها الفراد؛ لأنها أقل في الوزن وأفضل في العين، وقد مضى بيان هذا كله في رسم القبلة، ورسم الشريكين من سماع ابن القاسم، من كتاب الصرف، وليس ما مضى في سماع أشهب منه من إجازة اقتسام الدراهم الناقصة والوازنة عددا بغير وزن، بخلاف لهذه الرواية؛ لأن المعنى فيها أن الناقصة تجوز بجواز الوازنة حسبما ذكرناه هناك، وبالله التوفيق.

.مسألة جواز الذهب وحكم شراؤه:

ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها:
وسئل مالك عن جواز الذهب، أيشتري بها ولا يبين لمن يدفعها إليه؟ قال: أما كل بلد مثل مكة التي يجوز فيها كل شيء فلا بأس، وأما غير ذلك فلا أحبه حتى يسمى.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن البلد الذي تجوز فيه جميع السكك جوازا واحدا لا فضل لبعضها على بعض، ليس على المبتاع فيه شيء أن يبين بأي سكة يبتاع، ويجبر البائع أن يأخذ أي سكة أعطاه؛ كما أن البلد إذا كان يجري فيه سكة واحدة، فليس عليه أن يبين بأي سكة يبتاع، ويجبر على أن يقضيه السكة الجارية؛ وأن البلد الذي يجري فيه جميع السكك، ولا تجوز فيه بجواز واحد، لا يجوز البيع فيه حتى يبين بأي سكة يبتاع، فإن لم يفعل، كان البيع فاسدا.

.مسألة يشتري الدار وهي غائبة عنه:

ومن رواية يحيى بن يحيى قال ابن القاسم: قال مالك في الرجل يشتري الدار وهي غائبة عنه، إنما يشتريها بصفة المخبر والرسول؛ قال: فأما بصفة صاحبها فلا أرى ذلك، إلا أن يشترط النظر فلا ينقد.
قال محمد بن رشد: هذه رواية ليست على ظاهرها في أن شراء الدار الغائبة بصفة صاحبها لا يجوز، إلا أن يشترط النظر فلا ينقد؛ والذي يأتي على المذهب أنه إن اشتراها بصفة المخبر والرسول، جاز الشراء والنقد؛ وإن اشتراها بصفة صاحبها، جاز الشراء وإن لم يشترط النظر، ولزمه البيع إن وجدت على الصفة التي وصف؛ إلا أن يشترط أنه بالخيار إذا نظر، ولم يجز في ذلك النقد؛ فمعنى قوله في الرواية إنما يشتريها بصفته المخبر والرسول، إنما الحق له أن يشتريها بصفة المخبر والرسول؛ وقوله فأما بصفة صاحبها، فلا أرى ذلك، معناه فلا أرى ذلك من الحق له أن يشترط النظر فلا ينقد؛ فإذا اشترى المأمون الغائب بصفة بائعه، جاز البيع ولم يجز النقد بشرط؛ وإن اشتراه بصفة غير بائعه، جاز البيع والنقد بشرط، فإن كان الغائب المشتري غير مأمون كالحيوان وشبهه، لم يجز فيه النقد إذا بعد بشرط، فإن قرب جاز فيه النقد بشرط إذا وصفه غير صاحبه، ولم يجز إذا وصفه صاحبه، وإن كان المبتاع قد رأى الغائب، جاز النقد فيه بشرط إن كان مأمونا أو كان قريبا، واختلف في ضمان هذا كله إن كان يوم البيع على الصفة، فقيل: إنه من المبتاع، إلا أن يشترط أنه من البائع حتى يقضيه المبتاع؛ وقد قيل: إنه من البائع حتى يقضيه المبتاع، إلا أن يشترط أن ضمانه من المبتاع؛ وأما إن كان يوم البيع على غير الصفة، فالضمان من البائع قولا واحدا؛ واختلف هل يلزم المبتاع أن يخرج الثمن فيضعه على يدي عدل حتى يقبض ما اشترى أو يقبض له، أم لا على قولين؛ كالاختلاف في وجوب توقيف الثمن في المواضعة، وقد مضى ذلك في أول سماع ابن القاسم، من كتاب الاستبراء وأمهات الأولاد، وبالله التوفيق.

.مسألة باع ثمرا واستثنى من الكيل ما يجوز له أن يستثنيه:

ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت:
قال: وقال مالك: من باع ثمرا واستثنى من الكيل ما يجوز له أن يستثنيه، أو أسلفه أو وهبه؛ فإنه يبيعه قبل أن يقبضه، وإنما كره من ذلك ما كان على وجه الاشتراء، فأما الاستثناء فليس باشتراء، ولا أرى به بأسا.
قال محمد بن رشد: أجاز في هذه الرواية أن يبيع ما استثنى كيلا مما باع من الثمر جزافا، وما أسلفه أو وهبه قبل أن يقبض ذلك؛ فأما ما استثنى كيلا مما باع من الثمر جزافا، فقد روى ابن وهب عن مالك أن بيعه قبل أن يستوفيه لا يجوز، خلاف رواية ابن القاسم هذه عنه؛ والاختلاف في هذا جار على اختلافهم في المستثنى، هل هو مبقى على ملك البائع، أو بمنزلة المشترى؟ فرواية ابن القاسم على أنه مبقى على ملك البائع، وهى أظهر القولين؛ وقد مضى هذا المعنى في رسم حلف، ورسم سن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وأما ما أسلفه أو وهبه، فإن كان مما كان يجوز للمسلف أو الواهب أن يبيعه قبل أن يقبضه، فلا اختلاف في أنه يجوز للذي أسلفه أو وهبه أن يبيعه قبل أن يقبضه؟ وأما إن كان مما لا يجوز للمسلف أو الواهب أن يبيعه قبل أن يقبضه، مثل أن يبتاع طعاما أو يسلف فيه، فيهبه لرجل قبل أن يقبضه، أو يسلفه إياه، فالمشهور أن الموهوب له والمسلف يحلان محل الواهب والمسلف، في أنهما لا يجوز لهما بيعه قبل قبضه؛ وقد حكى ابن حبيب عن مالك تخفيف ذلك في الهبة والصدقة، والسلف مثله، وهو شذوذ من القول؛ وقد مضى في أول سماع ابن القاسم، من كتاب السلم والآجال، من تحصيل القول في مثل هذه المسألة ما أغنى عن ذكره هنا مرة أخرى، وبالله التوفيق.

.مسألة باع بدينار قمحا فأتى بائعه فوجد عنده ثمرا فاشتراه بدينار:

قال مالك في رجل باع بدينار قمحا، فأتى بائعه فوجد عنده ثمرا، فاشتراه بدينار، ثم لقيه بعد ذلك فقال: لك علي دينار، ولي عليك دينار فقاصني؛ فقال مالك: لا أحبه، ولكن أرى أن يرد الثمن الذي أخذ منه؛ قال ابن القاسم: لأنه إذا قاصه كان من ثمن الطعام طعاما.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة هاهنا في بعض الروايات، وهي ثابتة في كل رواية في رسم صلى نهارا، من سماع ابن القاسم، من كتاب السلم والآجال، وقد مضى القول عليها هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته مرة أخرى، وبالله التوفيق.

.كتاب جامع البيوع الثاني:

.الدار الغائبة تشترى بصفة:

من سماع أشهب وابن نافع عن مالك رواية سحنون قال مالك في الدار الغائبة تشترى بصفة لا يجوز أن يشتريها إلا مذارعة، وذكرها سحنون من رأيه.
قال محمد بن رشد: قوله في الدار الغائبة تشترى بصفة أنه لا يجوز أن يشتريها إلا مذارعة، معناه: أنه لابد في صفتها من تسمية ذرعها، فيقال: اشترى منه الدار التي ببلد كذا بموضع كذا، وحدها كذا، وصفتها كذا؛ وذرع ساحتها في الطول كذا وكذا، وفي العرض كذا وكذا؛ وطول بيتها الكذا- كذا وكذا ذراعا، وعرضه كذا وكذا- ذراعا؛ حتى يأتي على جميع مساكنها ومنافعها بالصفة والذرع؛ ولو وصف بناءها وذكر صفة أنقاضها وهيئة مساكنها، وقدرها بالكبر أو الصغر أو الوسط، واكتفى من تذريعها بأن يقول على أن فيها كذا وكذا ذراعا، لجاز ذلك، والأول أتم وأحسن؛ وليس المعنى فيا ذلك أنه لا يجوز أن يشتريها على الصفة، إلا كل ذراع بكذا ما بلغت، بل لا يجوز ذلك إلا أن يكون قد رأى الدار ووقف عليها؛ كالأرض لا يجوز شراؤها على الصفة كل ذراع بكذا، دون أن يراها؛ وكالصبرة لا يجوز شراؤها على الصفة، كل قفيز بكذا دون أن يراها؛ وقد اختلف إذا باع منه الدار والأرض والخشبة أو الشقة على أن فيها كذا وكذا ذراعا، فقيل: إن ذلك بمنزلة أن يقول: اشترى منك من ذلك كله كذا وكذا ذراعا، فإن وجد في ذلك أكثر مما سمى من الأذرع، كان البائع شريكا للمبتاع بالزيادة؛ كالصبرة يشتريها على أن فيها عشرة أقفزة، فيجد فيها أحد عشر قفيزا، كان القفيز الزائد للبائع؛ فإن وجد في ذلك أقل مما سمى من الأذرع، كان ما نقص مما سمى بمنزلة المستحق، إن كان يسيرا، لزم المبتاع ما وجد بحسابه من الثمن؛ وإن كان كثيرا، كان مخيرا فيما وجد بين أن يأخذه بما يجب له من الثمن أو يرده، وقيل: إن ذلك كالصفة ما ابتاع من ذلك، فإن وجد أكثر مما سمى، كان ذلك للمبتاع؛ وإن وجد أقل مما سمى، كان المبتاع بالخيار بين أن يأخذ ما وجد بجميع الثمن أو يرد؛ والقولان قائمان من أول كتاب تضمين الصناع من المدونة، ومن رسم أوصى، من سماع عيسى، من هذا الكتاب؛ وفرق في نوازل سحنون منه بين الدار والأرض، وبين الشقة والخشبة؛ وساوى بين ذلك كله في نوازل سحنون من كتاب العيوب في بعض الروايات، وقال: إن الخلاف يدخله كله دخولا واحدا؛ وقال بعض الشيوخ على قياس التفرقة التي في نوازل سحنون من هذا الكتاب: كل ما كان أصل الشراء فيه شراء الجملة بغير ذرع، فوجد زيادة في الذرع فهي له، كالثوب والحبل خشبة؛ وكل ما كان أصله أن يشترى بعدد أو كيل أو ذرع، فوجد زيادة فهي للبائع، كصبرة الطعام والحوت والأرض تشترى على ذراع؛ وأما الدار يكون في صفتها عدد ذرع، فإنه إن كانت دارا ذات بناء وهيئة، فالذرع بعض صفتها إن وجد فيها زيادة كانت للمبتاع، وإن كانت على غير ذلك، إنما بيعت لسعتها وانفساحها، فوجد زيادة كان شريكا مع البائع بالزيادة إن شاء، أو يرد الكل إن كره الشركة.

.مسألة اشترى من رجل أربعة أعذق بعينها في حائط له:

قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عمن اشترى من رجل أربعة أعذق بعينها في حائط له، ولم يشترط البائع على المبتاع أنه لا طريق لك ولا شرب لك؛ ولم يشترط المبتاع على البائع شربها من الماء، ولا الطريق إليها؛ فقال: أرى ذلك للمبتاع على البائع، يكون له طريقه إليها وشربها من الماء، وإن لم يكن يشترطه؛ لأنه إنما يشتري المشتري النخل بمائها وطرقها إليها، وأرى ذلك له عليه، وإن لم يشترطه.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن البيع وقع بينهما، وهما عالمان بمبلغ الشرب، وقد مضى القول في رسم حلف، من سماع ابن القاسم إذا وقع البيع بينهما، وهما جاهلان بمبلغ الشرب أو أحدهما مستوفى، فلا معنى لإعادته؛ وإذا وقع البيع بينهما، وهما عالمان بمبلغ الشرب، فلا يخلو الأمر من ثلاثة أحوال؛ أحدها: أن يقع البيع بينهما مبهما دون نية ولا شرط. والثاني: أن يتفقا على أن البيع وقع بينهما مبهما دون شرط، فيقول البائع: إنما كانت إرادتي بيعها دون شربها؛ ويقول المبتاع: إنما كانت إرادتي شراءها بشربها. والثالث: أن يختلفا فيقول البائع: بعتك دون شرب بشرط وبيان، ويقول المبتاع: بل اشتريتها منك بشربها بشرط وبيان، فأما إذا وقع البيع بينهما مبهما دون نية ولا شرط، ففي ذلك اختلاف؛ قال في هذه الرواية: إن المبتاع يكون له شرب النخل من الماء، وقيل: إنه لا يكون له الشرب إلا أن يشترطه، وهو ظاهر ما في رسم باع شاة، من سماع ابن القاسم، من هذا الكتاب، وذلك إذا كان المبتاع يقدر على سقيها من غير ساقية البائع بوجه من الوجوه، أو كانت تستغني عن السقي؛ وأما إن كان المبتاع لا يقدر على سقيها من غير ساقية البائع بوجه من الوجوه، ولا تستغني عن السقي؛ فإن الشرب يكون للمبتاع قولا واحدا.
وأما إذا وقع البيع بينهما مبهما، فقال البائع: إنما كانت إرادتي أن أبيعك النخل دون شربها؛ وقال المبتاع: إنما كانت إرادتي شراءها بشربها، فإن كان لما قال البائع وجه، مثل أن يكون المبتاع يقدر على سقيها من غير ساقية البائع؛ أو كانت تستغني عن السقي، تحالفا وتفاسخا؛ فإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف؛ وإن لم يكن لما قال البائع وجه، كان الماء للمشتري؛ قال ذلك ابن القاسم في بعض الروايات، من سماع أصبغ، من كتاب الصدقات والهبات.
وأما إذا اختلفا فقال البائع: بعتك النخل دون شرب بشرط وبيان، وقال المشتري: بل اشترينها منك بشربها بشرط وبيان؛ فقال ابن القاسم: إن كان لما قال البائع وجه، تحالفا وتفاسخا؛ وإن لم يكن لما قال وجه، كان القول قول المبتاع؛ وقال أصبغ: يتحالفان ويتفاسخان، كان لما قال البائع وجه، أو لم يكن؛ فراعى ابن القاسم دعوى الأشباه في اختلاف المتبايعين مع القيام، ولم يراعه أصبغ، وهو المشهور في المذهب؛ ولو وهبه الأعرف؛ لكان القول قول الواهب: إنه إنما وهبها له دون شربها؛ بخلاف إذا كان الماء فيها على ما في سماع أصبغ، من كتاب الصدقات والهبات، خلاف ظاهر ما في أول رسم شهد، من سماع عيسى، من كتاب الصدقات والهبات، وعلى ما سنذكره هناك، إن شاء الله تعالى.

.مسألة الموز هل يباع اثنان بواحد:

وسئل عن الموز أيباع اثنان بواحد؟ فقال: لا يعجبني، وغيره أحب إلي منه.
قال محمد بن رشد في الموطأ لمالك: إنه لا بأس بالتفاضل فيه، وهو الصحيح على أصله؛ لأنه لا يدخر ولا يقتات، وإنما هو فاكهة يخرج بطونا كمقاثئ والخضر.

.مسألة اشترى سلعة من رجل وشرط عليه عند عقدة البيع:

وسئل مالك عمن اشترى سلعة من رجل، وشرط عليه عند عقدة البيع إن ادعاها مدع، فمالي علي رد بغير خصومة، قال: لا يعجبني هذا البيع اشترط ما ليس في كتاب الله، فلا يعجبني هذا البيع.
قال محمد بن رشد: قوله: لا يعجبني هذا البيع، يدل على أنه رآه بيعا فاسدا لما اقترن به من الشرط؛ وذلك بين؛ لأنه غرر؛ إذ لم يبين البائع بما قبض من الثمن، إذ شرط عليه رده بالدعوى دون بينة، وذلك خلاف لما أحكمه الكتاب، وجاءت به الآثار، من أنه لا يؤخذ أحد بمجرد الدعوى دون بينة؛ فمعنى قوله اشترط ما ليس في كتاب الله، أي اشترط خلاف ما أوجبه الكتاب وقدره الشرع عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، المبين عن الله ما أنزله في كتابه.

.مسألة يقول للرجل ابتعني سلعتك هذه بكذا وكذا فيقول نعم:

قال أشهب: سألت مالكا عن الرجل يقول للرجل: ابتعني سلعتك هذه بكذا وكذا، فيقول: نعم؛ فيقول: قد أخذتها، فيقول رب السلعة: ما أردت بيعها، إنما أردت اختبار ثمنها؛ فقال لي: لا سواء، أما الذي يوقف سلعته في السوق يتسوق بها، فأرى ذلك له لازما، ولا يغني عنه إباءه ذلك، وإن لم يفترقا وكان ذلك مكانهما؛ وأما الذي يعلم أنه كان لاعبا لا يريد بيع سلعته، فلا أرى ذلك له لازما، ولا عليه جائزا؛ قيل لمالك فإن كان على غير وجه اللعب رأيت ذلك لازما لهما، وإن لم يفترقا إن لم تكن صفة خيار؟ قال: نعم، أرى ذلك لهما لازما، إن لم يكن بيع خيار، وكانت مناكرتهما من ساعتهما؛ وقد ذكر هذا الحديث، ولعله يكون شيئا ترك، ولم يعمل به.
قال محمد بن رشد: هذه الرواية تدل على أن الخلاف إنما هو في الذي يسوم الرجل بسلعته، وقد أوقفها للبيع في السوق، هل يصدق إن ادعى أنه لم يجد في السوم، وأنه إنما أراد اختبار ثمنها، أو أنه كان لاعبا وما أشبه ذلك أم لا؛ وأما الذي يلقى الرجل في غير السوق، فيسومه في سعلته فيقول هي بكذا وكذا؛ فلا اختلاف في أن البيع لا يلزمه إن ادعى أنه لم يكن مجدا في السوم، وأنه كان لاعبا، ويحلف على ذلك إن لم يتبين صدقه؛ وإنما يلزمه إن علم أنه كان مجدا غير لاعب: إما بتردد المكايسة بينهما، كنحو رواية ابن نافع، عن مالك الواقعة في نوازل سحنون، وإما بإقراره بذلك على نفسه؛ إذ لا يعلم ذلك إذ لم تتردد المكايسة بينهما إلا من قبله؛ وقد قيل: إن الخلاف يدخل في هذا أيضا على ظاهر ما مضى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وليس ذلك عندي بصحيح على ما مضى القول فيه هناك، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب، من كتاب العيوب، فمن أحب الوقوف على الشفاء منها تأمله هناك.
وقوله: وكانت مناكرتهما من ساعتهما، معناه وإن كانت مناكرتهما من ساعتهما؛ لأن الخلاف إنما هو إذا كانت مناكرتهما من ساعتهما، للحديث الذي جاء أن المتبايعين كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يفترقا، إلا بيع الخيار؛ فرآه حديثا متروكا لم يصحبه عمل، قال في موطئه: وليس لهذا عندنا حد معروف، ولا أمر معمول به فيه؛ وقد تؤول أن معناه المراد به أن المتساومين كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا بالقول؛ إذ قد يكون التفرق بالقول؛ قال عز وجل: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130]، وقال: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4]. وقد يسمى المتساومان متبايعين، فيكون فائدة الحديث على هذا التأويل إثبات الخيار في البيع؛ إذ قد علم أن المتساومين بالخيار ما لم ينعقد البيع بينهما؛ وقيل: فائدته أن من أوجب البيع منهما لصاحبه له الرجوع عنه ما لم يجبه صاحبه بالقبول، إلا أن هذا ليس على المذهب؛ وقيل: فائدته أن المتساومين لا يلزم البائع منهما البيع بما طلب من الثمن ولا المبتاع الأخذ بما بدا منه في حال المساومة، وأن لكل واحد منهما أن يرجع عن ذلك، ما لم يتم البيع بالكلام؛ وهذا يأتي على مذهب مالك في المدونة؛ ومن أهل العلم من ذهب إلى أن المراد بالفرقة فرقة الأبدان، وأنها فرقة تحل العقدة، وتبطل ما أوجبه أحد المتبايعين على نفسه لصاحبه، وهو معنى حسن يخرج على المذهب.

.مسألة دفع إليه الدرهم وقال له اعطني نصفه بطيخا ونصفه تينا:

وسئل مالك فقيل له: جئت إلى صاحب فاكهة، فأعطيته درهما وقلت له: أعطني رطبا، فلما دفعت إليه الدرهم، بدا لي فقلت له: أعطني نصفه بطيخا، ونصفه تينا، قال: أرجو أن يكون هذا خفيفا، ولا أرى به بأسا.
قال محمد بن رشد: إنما جاز هذا؛ لأن عقد البيع لم يتم بينهما؛ وإنما كانا في حال التراوض؛ إذ لم يقطعا السعر بعد؛ فلو أراد أن يأخذ درهمه، لكان ذلك له؛ ولو كان البيع قد انعقد بينهما، لم يجز ذلك على ما مضى في رسم شك، ورسم حلف من سماع ابن القاسم، من هذا الكتاب؛ وقد مضى القول على ذلك في الرسمين جميعا، ومضى أيضا في رسم القبلة، ورسم المحرم من سماع ابن القاسم، من كتاب الصرف، القول على هذه المسألة مستوفى لمن أحب الوقوف عليه.

.مسألة ابتاع حائطا ثم جاءه البائع يستقيله:

وسئل مالك عمن ابتاع حائطا، ثم جاءه البائع يستقيله، فقال له المبتاع: أقيلك على أنك متى بعته فهو لي بالثمن الذي تبيعه به، فقال: نعم ذلك لك، والله ما أريد بيعه، فأقاله على ذلك، فأقام بيده زمنا ثم باعه بالثمن، ثم جاء المقيل فقال: أنا آخذه بالثمن الذي بعته به، فإني قد كنت شرطت ذلك عليك حين أقلتك؛ أيكون ذلك له؟ فأطرق فيها طويلا، فقال لي: إني أرى ذلك الآن بالثمن الذي باعه به، أراه له بذلك الثمن فيما أرى الآن؛ وإن أحببت أن ترجع إلي فارجع، فقام عنه هنيهة، ثم رجع فقرأ عليه الكتاب أنه أقاله على أنه أحق به بالثمن الذي يبيعه به إن باعه، فباعه بعد زمان؛ أترى هذا مردودا؟ فقال: أما مردود فلا، ولكن أرى إن شاء أن يأخذه بالثمن الذي باعه به هذا الآخر، فذلك له؛ وإن شاء أن يتركه له، فذلك له.
قال محمد بن رشد: أوجب مالك للمقيل أخذ الحائط بشرطه، وإن باعه المستقيل بعد زمان؛ لقوله في الشرط متى ما باعه؛ لأن متى ما تقتضي قرب الزمان وبعده، بخلاف ما في سماع محمد بن خالد لابن القاسم وابن كنانة، من تفرقته بين القرب والبعد إذا أقاله على أنه إن باعه من غيره، فهو له بالثمن؛ وقد كان المقيل يخاف من المستقيل أن يكون إنما استقاله ليبيعه من غيره بزيادة أعطى فيه، وإنما جاز هذا الشرط في الإقالة؛ لأن الإقالة معروف فعله به، واشترط أن يكافئه عليه بمعروف، فلزم ذلك فيها، بخلاف البيع؛ وقد مضى القول في حكم البيع إذا وقع على هذا الشرط مستوفى في رسم القبلة، من سماع ابن القاسم، ولمحمد بن خالد في سماعه أن الإقالة على هذا الشرط لا تجوز كالبيع؛ والذي يوجبه القياس والنظر عندي ألا فرق في هذا كله بين البيع والإقالة، وأنه إذا أقاله أو باعه على أنه متى باعه من غيره، فهو أحق به، أن ذلك لا يجوز؛ لأن في إجازة البيع والإقالة وإمضاء الشرط فيهما إبطالا لحق المشتري، وظلما له في أن يؤخذ منه ما ابتاع دون حق يوجب ذلك عليه؛ وأنه إن استقاله أو سأله البيع ابتداء، فقال له: أخشى أنك إنما تسألني الإقالة أو البيع لربح أعطيت في ذلك، لا لي رغبة لك فيه، فقال: له لا أريده إلا لرغبة فيه لا للبيع؛ فأقاله أو باعه على أنه أحق به بالثمن إن باعه- أو يكون أحق به- إن باعه بالقرب؟ فيتبين أنه إنما استقاله، أو سأله البيع لذلك؟ وكذلك لو أقاله أو باعه على أنه إن أراد بيعه، فهو أحق به بالثمن الذي يعطى فيه، لم يجز ذلك في البيع؟ ويختلف فيه في الإقالة، من أجل أن بابها معروف المكايسة، وكذلك يختلف أيضا في هذا الشرط إذا وقع في الهبة، وقع الاختلاف في ذلك في سماع سحنون، من كتاب الصدقات والهبات، ظهر في الهبة الجواز، وفي الإقالة المنع، فإذا جمعت المسألتين تجمع فيهما ثلاثة أقوال: الجواز فيهما جميعا، والمنع فيهما جميعا، والفرق بين الهبة والإقالة؛ وسيأتي القول على مسألة الهبة في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب الصدقات والهبات، وفي سماع سحنون منه، وفي أول سماع سحنون مسألة من هذا المعنى، سنتكلم عليها إذا مررنا بها إن شاء الله.